مرّ عام كامل على وفاتها محترقة ، عام كامل على انتحارها ، عام بالتمام والكمال ..
بيد أن الحال هو الحال !
أستيقظ قرب الفجر على صوت نشيجها المتصل ونحيبها المؤلم ، أقوم فزعا فإذا هى ماثلة أمامى سوداء متفحمة ، عيناها حمراوان تشتعلان نارا ، شعرها مبعثر ، كل شعرة فى اتجاه !
أرمقها وجلا مرتاعا ، يصرخ داخلى خوف لو سمعه جبل لرأيته خاشعا متصدعا !
– سلام قولا من رب رحيم !
تقول : أريدك ، حالت بينى وبينك صروف الدهر ، لكن يبقى الأمل فى الموت ، فلعله يجمعنا فلا نفترق ، هلمّ معى ، لا تتردد ، قم !
أطرق متفكرا وقد تمكن منى خوف لا حدود له ، وأمسك بتلابيبى وجع لا يُطاق ، وألم لا يُحتمَل !
أهمهمُ بالأذكار عساها تنجينى من قبضتها …
فأفيق على ضحكها ، ثم على بكائها ، ثم على صوت قدميها تجرُّهما جرّا ، ثم تختفى مجددا ، فأستلقى على سريرى ، يداعب أجفانى نوم حذر ، ويسكن قلبى بعد خوفه وفزعه رويدا رويدا !
تذهب عيناى فى سُبات عميق ، فأغطُ فى النوم تارة أخرى ، فأستيقظ وأصابعها تداعب شعرى ، أفتح عينىّ فإذا هى نائمة بجوارى متفحمة وعيناها حمراوان تشتعلان نارا ، أقوم فزعا ، فأضيئ الأنوار ، وأرتدى ملابسى ، وأخرج هائما على وجهى ، لا أعرف أين أذهب ؟
ليتنى ما أحببتها ، ليتنى ما عرفتها ، كانت تعشقنى حتى الثمالة ، فكيف تفعل فىّ تلك الأفاعيل ؟
لم أطلب منها الانتحار ، هى التى انتحرت هربا من قبضة أبيها الجشع ، فالرجل كان ينتوى تزويجها لرجل فى مثل عمره ، رجل فى الستين ، فقط لأنه ثرى عظيم اليسار !
ولما بلغ السيل الزُّبى ، ولم يعد فى جعبة الصبر منزع ، أشعلت فى نفسها النار ، فلم يكتب لها النجاة ، وماتت متفحمة !
تطاردنى فى جوف الليل إذا مسّ بيده العريضة الورى ، وخيمت عليهم سحاباته ، ألوذ بالأذكار فتختفى دقائق ، ثم سرعان ما تعاود الكرة ، وهكذا دواليك !
وبعد تفكير مرير قررت أن أضع حدا لمأساتى …
سأذهب إليها ، سأنتحر !
أشعلت عود الثقاب والفجر على وشك البزوغ ، وقبل أن أفعلها بلحظات سمعت صرخة مدوية ارتجت لها الأرض ، وتمكن منى بسببها فزع بالغ !
خرجت فإذا باب الشقة مفتوح ، وإذا الدخان يملأ المكان بأسره ، وإذا على الأرض قرب الباب ورقة ..
ذهبت وجلا فتناولتها ، فإذا فيها :
لا تفعلها ، أرجوك ، لن أطاردك مجددا ، لكن أرجوك لا تنتحر ، عش الحياة واستمتع بها ، أما أنا فلا تخشانى ، سأبتعد عنك للأبد ، وسأمكث مع الموتى أمثالى مكوثا أبديا سرمديا ، ولن أنغص عليك عيشك ، لقد عرفت مصيرى ، أما أنت فأرجوك حافظ على حياتك ، لا تحرقنى مرتين !
خرجت أبحث عنها فلم أرَ أحدا …
فجلست على الأرض أبكى بكاءً حارّا !
ثم قمت فأغلقت الباب ، فإذا هو مكتوب عليه :